اذاعت الـ بى بى سى حلقة من برنامج "نقطة حوار"
عن مشكلة التحرش!
وقد فاجأت السيدة مسئولة حركة "شُفت تحرش"
المشاهدين، حينما أعلنت أن أعلى نسبة تتعرض للتحرش هن "المحجبات" يليهن
"المنقبات" ويأتى أخيرا بنسبة ضئيلة "السافرات" أى "غير
المحجبات"!
والحقيقة أن هذه النتيجة لم تدهشنى بتاتا، لأننى أعلنتها
منذ زمن بعيد، وكتبت مدونة بها فى شهر اغسطس سنة 2014!
وقبل أن أعرض المدونة أحب أن أضيف سببا غريبا لهذه
النتيجة، أبلغنى به صديق حميم من ضباط الشرطة:
"المتحرش
هو انسان جبان.. لذلك فهو لا يتحرش بالسافرة غير المحجبة لأنه يشعر أنها ليست
انسانه ضعيفة خضعت للقيود التى يضعها المجتمع لملابس النساء، وانما أنسانة قوية
تستطيع أن تواجهه بنفس القوة التى تواجه بها المجتمع،
واكيد لسانها طويل وايدها طويلة،
ومستعدة تدخل فى مشاكل، فأحسن أبعد عنها! أما المحجبة او المنقبة (فدى متعودة تاخد
على دماغها وتسكت) وغالبا لما أتحرش بيها (ها تسكت ومش ها تفتح بقها بكلمة)!"
ـــــــــ
التحرش مسئولية المرأة!
(هذا ما يقرره الدعاة الجاهليون الوهابيون"
فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، من القرن الماضى،
ظهرت مودة "المينى جيب" ثم "الميكرو جيب"، وكانت نساء مصر
يسرن فى الشوارع بهذه الملابس، ويرتدين المايوهات العادية والبكينى على كافة الشواطىء،
دون أن يضايقهن أو يتحرش بهن أحد!
وأفلام الأبيض والأسود هى تسجيل واضح لكل نواحى الحياة
فى مصر فى تلك الفترة.
ومع بداية الأزمة الإقتصادية، وسفر المصريين الى
السعودية والخليج سعيا وراء الرزق، بدأت موجة من الفكر
الرجعى
والسلوك الجاهلى الوهابى تجتاح مصر، وتهاجم كل مظاهر الحضارة كالأدب والفن وغيره.
ولما كانت المرأة هى الشغل الشاغل وربما الوحيد، لأصحاب
الفكر الرجعى والسلوك الجاهلى الوهابى؛ كان من الطبيعى أن تحظ بالنصيب الأكبر من
هذه الموجة، فهى "ناقصة عقل ودين" و"حطب جهنم"، وكلها عورة، صوتها وشعرها وجسمها،
ومن الأفضل بالتالى أن لا تخرج من بيتها الا لضرورة، فاذا خرجت يجب أن تكون بصحبة
محرم، وأن تكون مرتدية الحجاب والأفضل النقاب!
ولقى هذا الفكر الرجعى قبولا فى الريف والمناطق
العشوائية، بحُكم أن المرأة فى هذه المناطق تضع على رأسها "طرحة"، فتحولت
المرأة ـ منذ ذلك الوقت ـ الى كائن غامض غريب مختفى داخل المنازل، أو مُغطى بأكوام
من الملابس خارجه!
ومن الطبيعى أن يثير مثل هذا الكائن شهية وشهوة الشبان
المتخلفين أخلاقيا وثقافيا، الذين يسعدهم كثبرا ـ كذكور ـ الفكر الرجعى الجاهلى
الوهابى، الذى يؤكد لهم فى كل لحظة، أنهم جنس متفوق على الجنس النسائى الذى يقلّ
عنهم فى كل شىء، "ناقصات عقل ودين"، "حطب جهنم"، و.. و..، مما
يعطيهم الحق بالتالى فى الاستهانة بهذا الجنس أو هذا الكائن والعبث بكرامته، وليس
أدل على ذلك، من احصائيات وزارة الداخلية التى تثبت أن النسبة الأكبر من حالات
التحرش وجرائم الاغتصاب، تتعرض لها سيدات محجبات، بل وأحيانا منقبات!
وقد زاد الجاهليون
الوهابيون الطين بلة، وأضاء بعضهم الضوء الأخضر بشدة للمتحرشين،
فلم يوجهوا اليهم أى هجوم، ولم يعترضوا على فعلتهم النكراء، وبدلا من ذلك هاجموا المرأة
التى تتعرض للتحرش، بأن وجهوا اليها ـ بوقاحة منقطعة النظير ـ سؤالا إستنكاريا هذا
نصه: "وانت نازلة الشارع ليه؟ أقعدى فى بيتك وماحدش ها يتحرش بيكى!"
وهذا السؤال يعنى ضمنا أن المرأة ليس من حقها أصلا
الخروج من بيتها، فاذا أصرّت على الخروج فعليها أن تتحمل التحرش الذى سوف تتعرض له،
وتكون مسئولة مسئولية كاملة عن هذا التحرش!
أما المنحرف الذى تحرش بها، فلا يُذكر بأى سوء، بل لا يُذكر
اطلاقا، وكأنه لم يرتكب أى فاحشة أو خطيئة!
ولابد
أن نتنبه الى أن هذا السؤال الإستنكارى، وهذا التوبيخ،
الموجهين إلى كل امرأة تتعرض للتحرش، يحمل فى طياته تشجيعا واضحا لهؤلاء
المنحرفين، على التحرش بأى امرأة فى
الشارع، عقابا لها على الخروج من بيتها، لأنهم هنا لا
يرتكبوا أى فاحشة أو خطيئة، وإنما يقدموا بهذه الفعلة النكراء، مساعدة فعّالة، للجاهليين
الوهابيين فى نضالهم المقدس، من أجل منع المرأة من الخروج من بيتها، وإجبارها على
البقاء بداخله!
واذا تخيلنا مجموعة من الشبان العاطلين عن العمل، المتخلفين
أخلاقيا وثقافيا، يسيرون فى شارع، بعد أن سمعوا هذا الهجوم، الذى تتعرض له المرأة،
التى تخرج من بيتها؛ ثم يجدون امرأة تسير أمامهم، فإنهم ـ فى الأغلب ـ سيندفعون
للتحرش بها!
وهناك فئة أخرى من المتحرشين، كان بينهم شبان من ذوى
الإتجاهات الإسلامية، الذين وجدوا أن سلوك التحرش المنحط هذا، سلاح "سياسى" شديد الفاعلية،
يستطيعون استخدامه مع النساء اللائى يشتركن فى مظاهرات ضدهم، لمنعهن من التظاهر!
(تعددت الأسباب، والتحرش واحد!)
وبهذه المناسبة، فإننى أرى أنه لا يجب بتاتا، تبرير خروج
المرأة من بيتها، بحجج واهية مثل "رايحة شغلها.. أو مدرستها.. أو تشترى
دوا"!
أنا سوف أفترض فرضا حقيقيا نعرفه كلنا: المرأة خرجت الى
الشارع، لأنها زهقت من قعدة البيت ونازله تتمشى شوية! هل هناك أى خطأ فى هذا؟ وهل
يمنع الاسلام نزول المرأة من بيتها؟
أنا أعرف أن المسلمات الأوائل كن يخرجن فى الغزوات مع
الرجال لتمريض الجرحى، بل ويشتركن فى القتال أحيانا، ولم أقرأ أن رسولنا الكريم (صلعم)
أو أى صحابى قد استنكر خروج
هؤلاء السيدات الفاضلات من بيوتهن أو حاول منعهن!
ومن الطبيعى أيضا أننا لم نسمع عن أى حالات تحرش فى ذلك
الزمن!