الاثنين، 19 فبراير 2018

المعتزلة


كان للعالم الكبير "الحسن البصرى" مجلسين للعلم: مجلس خاص بمنزله.. ومجلس عام في المسجد يتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وغيرها.. وكان من تلاميذه الكثيرين..  واصل بن عطاء.
واُثيرت فى مجلس المسجد يوما.. مسألة حُكم مرتكب الكبيرة (الذنوب والأخطاء الجسيمة).. فإتفقوا جميعا بأنه كافر
أما واصل فإنه قال أنه ليس بكافر.. وإنما في (منزلة بين منزلتين).. أي أنه ليس مؤمنا ولا  كافرا.. لأنه إذا تاب عن ذنبه قبل أن يموت.. فإن الله غفور رحيم.. وإذا مات دون توبة فهو كافر!
ولم يوافقه أحد من الحاضرين على رأيه!
وفى اليوم التالى حينما اجتمع المجلس.. لم يجدوا واصلا جالسا بينهم.. ورأوه جالسا بجوار أحد أعمدة المسجد البعيدة عنهم.. فقال الحسن عبارته المشهورة: إعتزلنا واصل!
فاُطلق على واصل وكل من جلس بجواره.. وكل من أيّده بعد ذلك"المُعتزلة"
وأهم ما لفت نظرى فى فكر المعتزلة:
ـ تقديم العقل على النقل: فقد اعتمدوا على العقل في تأسيس عقائدهم.. وقدموه على النقل.. وقالوا بأنّ العقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي.
ـ العدل: وهو قياس أحكام الله على ما يقتضيه العدل.. فنفوا أن يكون الله خالقا لأفعال عباده.. وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيرا وإن شرا..، ويستحيل أن يكون الله خالقا لآفعال عباده.. ثم يحاسبهم عليها!
وهو ما عُرف بعد ذلك بإشكالية: هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر؟ وإنتهوا الى أن الإنسان مُخيّر تماما فى كل أفعاله!
ـ القرآن مُنزّل وليس أزليا: وهذه الإشكالية سالت فيها بحور من الدماء.. وتعرّض بسببها الكثيرون لعذاب رهيب.. فبعض علماء المسلمين يؤمنون إيمانا راسخا.. أن القرآن الكريم قد خُلق كله خلقا كاملا.. مرة واحدة.. ثم نزل بعد ذلك.. على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالترتيب المعروف!
والمعتزلة لا يرون ذلك.. بل يرون أن القرآن قد تم خلقه حسب الترتيب الذى تم تنزيله به على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. وحجتهم فى ذلك.. أن بعض الآيات والسور كانت تنزل وقت حدوث الأحداث أو بعدها.. لتوضيح هذه الأحداث أو النهى عنها.. وأن بعض الآيات كانت تنسخ آيات أخرى نزلت قبلها!
ـ التوحيد والتنزيه المطلق لله سبحانه وتعالى: وقد استندوا الى سورة الشورى الآية رقم 11 التى يقول الله فيها عن ذاته: "... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ...".. لذلك فالمعتزلة يرفضون أي تشبيه بين المخلوقات والله!
أما الآيات التي تفيد التشبيه.. فلا يقبلها المعتزلة على ظاهرها.. بل يقومون بتأويل معانيها.. مثل سورة الرحمن الآية رقم 27: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"
فيستبعدوا المعنى الظاهر لكلمة (وجه).. ويقولوا أن المقصود بها الذات الإلهية.

الأحد، 11 فبراير 2018

الدفن حية!


الدفن حيّة!

فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات.. من القرن الماضى.. وعقب هزيمة يونية 1967.. ومع بداية الأزمة الإقتصادية.. وسفر المصريين الى السعودية والخليج سعيا وراء الرزق.. إكتسحت مصر موجة من الفكر الرجعى المُعادى للتنوير.. شملت كل مظاهر الحضارة كالأدب والفن وغيرهما!
وتبنى الحملة السلفيون الوهابيون.. وأدّعوا أنهم يعيدون مصر الى صحيح الدين الاسلامى.. الذى إنحرفت عنه نتيجة للفكر التنويرى.. الذى ظلت تعيشه زمنا!
وكعادتهم وشأنهم دائما.. لم يتضمن نشاطهم أى إشارة للمشكلات القومية الكبيرة التى تعانى منها مصر.. وإقتصر الأمر على المرأة!
وكانت أهم نتيجة للموجة.. إعتبار المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية.. لأنها حسب وصفهم واعتقادهم.. ناقصة عقل ودين.. وحطب جهنم.. وكلها عورة.. صوتها وشعرها وجسمها.. الخ.. الخ..
ويخطىء من يعتقد أن العقلية وطريقة التفكير التى ورثها السلفيين الوهابيين عن عرب الجاهلية .. قد اختلفت أو تغيرت.. عما كانت عليه.. لقد كانوا يدفنوا الطفلة الصغيرة حية.. خوفا لما قد تجلبه من عار عندما تكبر.. ولم يتغير شىء.. وكل ما هناك أن اسلوب الدفن هو الذى تغير!
فالسلفيون الوهابيون لا يستطيعون الآن دفنها حية حتى الموت وهى صغيرة.. بنفس الطريقة القديمة.. ولكنهم يستطيعون دفنها وهى حيّة دون موتها.. بطريقة مختلفة.. أولا: داخل أكوام من الملابس.. فالحجاب والأفضل النقاب كفيلان بأداء المهمة بأفضل صورة.. وثانيا: داخل بيتها.. الذى عليها دائما أن تلازمه ولا تغادره بتاتا.. لأن خروجها منه "مفسدة".. أما اذا كانت هناك أسبابا قهرية إضطرتها لذلك.. فالأفضل أن تخرج بصحبة "محرم"..
ولقيت تلك الموجة قبولا لدى المرأة فى الريف والمناطق الشعبية والعشوائية.. لإعتيادها تغطية شعرها بأنواع مختلفة من الأغطية.. مثل الطرحة والملاية اللف والمناديل المُلوّنة و.. و..
كما لقيت قبولا بين الرجال.. لأنها أرضت أصحاب الغيرة الذكورية.. ووضعت عوائق تمنع المرأة من كشف أى جزء من جسدها.. ومن الخروج من بيتها!
وحققت أخبث غرض كان السلفيون الوهابيون يريدوا الوصول ‏اليه.. تقسيم المجتمع ‏المصرى ‏دينيا.. عن طريق الزى.. بحيث ‏يسهل.. بمجرد النظر.. تمييز المسلمة من غير المسلمة.. وبالتحديد المسيحية!
ومن الطبيعى .. فى ظل تلك الدونية وذلك القهر.. أن تفقد المرأة أى شعور بالثقة فى نفسها.. أو النديّة فى تعاملها مع الرجل.. بل ومع المجتمع كله.. وأن تفقد الشعور بأى حماس أو دافع.. لعمل أى شىء ايجابى.. أو لخلع الحجاب أو النقاب أو للتغيير.. مهما قيل لها أنه ليس مرتبطا بالدين.. وبالرغم أنها قد تكون متأكدة من ذلك.. فما لجرح بميت إيلام.. ومن يهن يسهل الهوان عليه!