كان للعالم الكبير "الحسن البصرى" مجلسين للعلم: مجلس خاص بمنزله.. ومجلس عام في المسجد
يتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وغيرها.. وكان من تلاميذه الكثيرين..
واصل بن عطاء.
واُثيرت فى مجلس المسجد يوما.. مسألة حُكم مرتكب الكبيرة (الذنوب والأخطاء الجسيمة).. فإتفقوا
جميعا بأنه كافر
أما واصل فإنه قال أنه ليس بكافر.. وإنما في (منزلة بين منزلتين).. أي
أنه ليس مؤمنا ولا كافرا.. لأنه إذا تاب عن ذنبه قبل أن يموت.. فإن
الله غفور رحيم.. وإذا مات دون توبة فهو كافر!
ولم يوافقه أحد من الحاضرين على رأيه!
وفى اليوم التالى حينما اجتمع المجلس.. لم يجدوا واصلا جالسا بينهم.. ورأوه
جالسا بجوار أحد أعمدة المسجد البعيدة عنهم.. فقال الحسن عبارته المشهورة: إعتزلنا
واصل!
فاُطلق على واصل وكل من جلس بجواره.. وكل من أيّده بعد ذلك"المُعتزلة"
وأهم ما لفت نظرى فى فكر المعتزلة:
ـ تقديم العقل على النقل: فقد اعتمدوا على العقل في تأسيس عقائدهم.. وقدموه على النقل.. وقالوا بأنّ
العقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي.
ـ العدل: وهو قياس أحكام الله على ما يقتضيه العدل.. فنفوا أن يكون الله
خالقا لأفعال عباده.. وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيرا وإن شرا..،
ويستحيل أن يكون الله خالقا لآفعال عباده.. ثم يحاسبهم عليها!
وهو ما عُرف بعد ذلك بإشكالية: هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر؟ وإنتهوا الى
أن الإنسان مُخيّر تماما فى كل أفعاله!
ـ القرآن مُنزّل وليس أزليا: وهذه الإشكالية سالت فيها بحور من الدماء..
وتعرّض بسببها الكثيرون لعذاب رهيب.. فبعض علماء المسلمين يؤمنون إيمانا راسخا..
أن القرآن الكريم قد خُلق كله خلقا كاملا.. مرة واحدة.. ثم نزل بعد ذلك.. على
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالترتيب المعروف!
والمعتزلة لا يرون ذلك.. بل يرون أن القرآن قد تم خلقه حسب الترتيب الذى تم
تنزيله به على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. وحجتهم فى ذلك.. أن بعض الآيات
والسور كانت تنزل وقت حدوث الأحداث أو بعدها.. لتوضيح هذه الأحداث أو النهى عنها..
وأن بعض الآيات كانت تنسخ آيات أخرى نزلت قبلها!
ـ التوحيد والتنزيه المطلق لله سبحانه وتعالى: وقد استندوا الى سورة الشورى
الآية رقم 11 التى يقول الله فيها عن ذاته: "... لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ...".. لذلك فالمعتزلة يرفضون أي تشبيه بين المخلوقات والله!
أما الآيات التي تفيد التشبيه.. فلا يقبلها المعتزلة على ظاهرها.. بل يقومون بتأويل
معانيها.. مثل سورة الرحمن الآية رقم 27: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو
الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"
فيستبعدوا المعنى الظاهر لكلمة (وجه).. ويقولوا أن المقصود بها الذات
الإلهية.