أدلى اللواء محمد فريد التهامى، رئيس المخابرات العامة
المصرية، يوم 9 نوفمبر 2013، بأول حديث صحفى له، وكان من نصيب الصحفى
الأمريكى الشهير "ديفيد إجناتيوس" بصحيفة "واشنطن بوست"
الأمريكية التى نشرت الحديث، كما نشرته أيضا صحيفتا "الفجر" و
"المصري اليوم" المصريتان.
ونظرا لطول الحديث، فاننى سوف أقوم بتلخيص أهم ما قاله
اللواء التهامى، ويمكن قراءة الحديث كاملا عن طريق الرابط:
ـ الإرهاب ليس له وطن أو دين، وبعد أحداث ثورة 30
يونيو، بدأت بعض العناصر الإرهابية الموجودة فى سيناء، وهى العناصر التى حضرت إلى
مصر قبل هذه الثورة، بالتعاون مع العناصر الإرهابية التى أفرج عنها محمد مرسى،
بالإضافة إلى العناصر الإرهابية القادمة من دول خارجية، فى بناء تنظيمات للإرهاب
فى سيناء.
وحاليا يوجد اتجاهان رئيسيان لمكافحة الإرهاب: الأول
تقوم به القوات المسلحة، والثانى تقوم به وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطنى (مباحث
أمن الدولة)، وقد استدعى وزير الداخلية بعض العناصر الأكفاء من الذين تخلص منهم
مرسى، وأعادهم إلى الجهاز، بهدف أن يستعيد الجهاز قدرته المهنية والمعلوماتية فى
تتبع الخلايا الإرهابية.
وقد تدفقت الى مصر من مخازن السلاح فى ليبيا، كميات
هائلة من مختلف أنواع الأسلحة خلال العام السابق.
والأسلوب الأمثل للقضاء على العناصر الإرهابية يعتمد
على ثلاثة عناصر رئيسية: الأول تبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول
صديقة مثل الولايات المتحدة، والثانى معرفة مصادر تمويل الخلايا والعمل على
إيقافها، والثالث وهو شديد الأهمية: الوصول إلى أماكن تخزين الأسلحة المهربة إلى
مصر والتحفظ عليها.
ويسعى الإرهاب الآن لتحقيق عدة أهداف: الأول
تخويف السياح لمنعهم من دخول مصر مما يؤثر على الدخل القومى، والثانى محاولة
التأثير على الملاحة فى قناة السويس، والثالث: إظهار عدم الاستقرار فى مصر لحجب
المستثمرين عن القيام بمشروعات فى البلاد.
والتقييم النهائى لهذا الموضوع هو أننا نشعر أن جميع
الأجهزة الأمنية نجحت خلال الفترة الماضية فى الحد بنسبة كبيرة من نشاط هذه
الجماعات.
ـ التواصل بين العناصر الإرهابية وتنظيم القاعدة
الرئيسى لا يتم بطريقة مباشرة، وإنما عن طريق شبكات الإنترنت وتبادل المعلومات، والقاعدة
الآن لم يعد لها هيكل تنظيمى مثلما كان فى السابق فى عهد أسامة بن لادن، ولكنها
الآن أصبحت فكرا ينتشر بين أفراد، فكر تكفيرى أو فكر جهادى، والخلايا أو العناصر
الجديدة التى تتشكل حاليا مثل "بيت المقدس" وسائر الخلايا الصغيرة، تنتمى إلى
القاعدة فكرياً وليس تنظيمياً.
كنا نعقد لقاءات مع أجهزة المخابرات الأمريكية، وكان هناك
تنظيم رئيسى هو القاعدة، به أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وباقى العناصر الموجودة
فى أفغانستان، وكان من السهل تقييم التنظيم وأذرعه واتجاهاته، وبعد غزو أفغانستان
فى عام 2001 انتشرت عناصر التنظيم فى باكستان، جزء منها ذهب إلى اليمن، وجزء آخر
ذهب إلى الصومال، وجزء ثالث ذهب إلى العراق، وجزء رابع
ذهب إلى غرب أفريقيا، وأصبح كل جزء نواة للفكر، يعمل باستقلالية، وليس بمركزية كما
كان فى السابق.
لا يوجد جهاز أمنى فى العالم يستطيع أن يمنع الإرهاب،
والقضاء على الخلايا والعناصر الإرهابية فى سيناء قد يتطلب بعض الوقت حتى نحقق
التوازن بين الوصول إلى الهدف وتقليل الخسائر بين الأبرياء، أحياناً نجد خلية أو
مجموعة تضم من فردين إلى ثلاثة أفراد، ينفذون عملية إرهابية.
وأصعب أسلوب قتال أن تواجه قوة نظامية خلايا إرهابية، عند
قتال الجيوش يكون لكل جيش هدف محدد وعدو واضح أمامه.. لكن عندما تقاتل الجيوش
عناصر إرهابية فإنك تجدها تبحث عن مجموعة صغيرة تنتشر على مساحة كبيرة من الأرض..
والعامل الرئيسى للنجاح.. المعلومات.
وأكبر مثال على ذلك أن الولايات المتحدة احتاجت 11 سنة
(من 2001 إلى 2012) حتى عثرت على أسامة بن لادن وقضت عليه.
وحتى الآن لا أحد يعرف أين يختبئ أيمن الظواهرى أو ما
الذى يخطط له؟
مع الوقت وتوفير المعلومات والتنسيق مع أجهزة الاستخبارات
سوف نصل إليه، وخطورة القاعدة حالياً ليست فى التنظيم بقدر ما هى فى الفكر.
ـ العمل فى سيناء يقع على كاهل القوات المسلحة والأمن
الوطنى التابع لوزارة الداخلية، دور
جهاز المخابرات أنه عندما تصل إليه معلومة تتعلق بالعناصر الإرهابية يقوم بإبلاغها
إليهما، وعند القبض على إرهابى يقومان باستجوابه للحصول على مزيد من المعلومات منه
تساعد فى الوصول إلى بقية الخلية أو التنظيم.
وأحد العوامل المؤثرة فى الحد من النشاط الإرهابى فى
سيناء، إغلاق القوات المسلحة عدداً كبيراً من الأنفاق بين مصر وغزة، وتأمين الحدود
الغربية مع ليبيا بكثافة أشد، للحد من تهريب الأسلحة.
وخلال الفترة السابقة، تم ضبط العديد من قضايا تهريب
الأسلحة، ومستودعات تخرينها فى بعض المحافظات.
ـ منذ قيام الثورة مباشرة وحتى الآن، يجرى التعاون بين
الأجهزة الاستخباراتية فى مصر والولايات المتحدة والدول الصديقة، وهذه القناة
تختلف عن القنوات السياسية، وأنا على اتصال دائم مع "جون برينان" (مدير
وكالة سى آى إيه)، ومحطة الوكالة فى مصر على اتصال دائم بنا.
وتبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية لا يتعلق
بأشخاص وإنما بعناصر إرهابية.
ومن مصلحة الأمريكيين والمصريين التواصل فى مجال
مكافحة الإرهاب، وأنا سعيد لأن رئيس هيئة الأمن القومى الأمريكى، "الجنرال
كيث الكسندر"، كان مدير مخابرات القيادة المركزية عندما كنت أنا مديراً
للمخابرات الحربية.
ـ قطاع غزة أرض فلسطينية تحت الإحتلال الإسرائيلى،
ويتواجد به حوالى مليون ونصف المليون فلسطينى، وهذه أعلى كثافة سكانية فى العالم..
وطبقا للقانون الدولى، يجب على إسرائيل أن توفر احتياجات القطاع الضرورية بصفتها
قوة احتلال.
قبل 30 يونيو كان تهريب البضائع والسلع المدعمة من مصر
- مثل الوقود والدقيق والزيوت - يحدث عبر الأنفاق، وشكلت حماس وزارة
أطلقت عليها "وزارة الأنفاق" لجمع
الرسوم والضرائب على البضائع التى تهرب من مصر، ولا يهم حماس إن كانت البضائع التى
تصل إلى غزة، تأتى من مصر أو إسرائيل، وإنما المهم هو تحصيل ضرائب عنها!
مشكلة الوقود حاليا فى غزة، ليس بسبب نقصه، ولكن نتيجة
رفض حماس أن تحصل على الوقود من إسرائيل وتدفع ضرائب عنه.
نحن نعتبر قطاع غزة جزءاً من الأراضى الفلسطينية، يوجد
به مواطنون فلسطينيون، وحماس تمثل نسبة محدودة فيه، وبالتالى لا نتعامل مع القطاع
على أساس أن كله حماس، ونحن نتصل مع حماس فى أوقات عديدة، بصفتها الإدارة الموجودة
فى غزة، لتنسيق المواقف بشأن فتح المعابر، أو إذا كانت هناك مشاكل بينها وبين
إسرائيل، لتجنب تصعيد الموقف بينهما.
إذا كانت حماس فى العام السابق، الطفل المدلل للنظام
المصرى السابق، فسكان قطاع غزة بالكامل، هم الطفل المدلل للشعب المصرى الآن.
ـ ليبيا أصبحت الآن ثلاثة أقسام، ومن حسن حظ مصر، أن
القسم الملاصق لحدودها الغربية، وهو منطقة شرق ليبيا أو إقليم برقة، نسبة العناصر
المتطرفة فيه قليلة، أما فى غرب ليبيا وطرابلس، العاصمة، فنسبة العناصر المتشددة
هناك كبيرة نوعاً ما.
ومشكلة ليبيا الآن أنها لا توجد فيها حكومة مركزية
قادرة على السيطرة على جميع أراضيها، وقد فتح القذافى ـ قبل قتله ـ مخازن السلاح
والذخيرة لليبيين، فأصبحت ليبيا تدار بسلطة القبائل وقوة الجماعات المتشددة، والأكثر
تسليحا، والأكثر قوة، هو الذى يفرض إرادته على الآخرين.
ـ المشكلة فى سوريا ليست من صنع الشعب السورى، ولقد بدأتها
المعارضة للحصول على حقوقها، وسعت لتغيير النظام. كان هذا هو الهدف من الصراع فى
بدايته، ولكن الدعم غير المحسوب من قوى خارجية وإقليمية، دفع بعناصر متشددة إلى
البلاد، وشكلوا ما يسمى "جبهة النصرة"، ودعمت قوى إقليمية ودولية
المعارضة بالسلاح والذخائر، ونظرا لأن "جبهة النصرة"
كانت الأكثر احترافا فى القتال، فإنها استولت على معظم هذه الأسلحة.
وفى سوريا الآن ثلاث قوى تتصارع فى الداخل: الجيش
السورى، والجيش السورى الحر، وجبهة النصرة.
وهناك قوى دولية وإقليمية تدعم الجيش السورى وتقف
وراءه، ويتكرر الأمر نفسه مع الجيش السورى الحر، وجبهة النصرة.
ولن يحسم الصراع فى سوريا عسكريا، لطرف من الأطراف
المتقاتلة، ولن ينته المطاف إلا إذا جلست القوى المتصارعة على مائدة الحوار، وهنا
سيظهر لنا السلطة السورية، والمعارضة السورية، وتختفى جبهة النصرة تحت الأرض، فليس
لها مكان على مائدة المفاوضات، وهذا أخطر ما فى المشكلة.
جبهة النصرة أساسا، لا تجلس على موائد التفاوض، وسبق
أن قلت ذلك للأصدقاء فى الولايات المتحدة وبريطانيا، فالإرهاب لا يجلس على مائدة
مفاوضات، بل يريد السلطة كاملة!
وهذه المأساة ستعانى منها المنطقة بأسرها، ولا تنس أن
القاعدة الآن موجودة فى سوريا وفى العراق، وبالتالى فإن استقرار المنطقة لابد أن
يبدأ بالتعاون الدولى فى مكافحة الإرهاب.
عندما تم تدعيم القاعدة فى أفغانستان، لمقاومة
الاحتلال السوفيتى هناك، انسحب السوفييت، وبقى تنظيم القاعدة، ومارس نشاطه فى
الداخل والخارج، حتى وصل إلى برجى التجارة فى نيويورك عام 2001!
إن فكر القاعدة لا يقتنع بالسياسة، ولا يؤمن
بالمفاوضات، ولكنه يقتنع بتحقيق الهدف الذى يسعى إليه، وهو إقامة إمارات إسلامية
فى الدول التى ينشط فيها ويتواجد بها.
ـ عندما اجتمعت القوى السياسية فى مقر وزارة الدفاع
لوضع تصور لخريطة المستقبل، دعى حزب الحرية والعدالة للحضور، ورغم رفض الحزب
الحضور، الذى شاركت فيه القوى الوطنية المتنوعة، إلا أن الإعلان الدستورى صدر
لاستكمال خريطة المستقبل، دون إقصاء لأى قوة سياسية حالية.
السلفيون موجودون على الساحة السياسية، وموجودون فى
لجنة الخمسين لإعداد الدستور، ولكن حزب الحرية والعدالة رفض ترشيح ممثل له فى لجنة
الخمسين.
المشكلة ليست فيما نريد وإنما فيما يريد الآخرون، نحن
نريد أن يتحقق الاستقرار فى مصر، وأن تستكمل خريطة المستقبل طبقا للتخطيط الموضوع،
وأن يكون المصريون جميعهم سواء أمام القانون، لا يميز مصرى عن آخر، لغة أو دين أو
عرق.
ـ الإخوان فى مصر تعدادهم حوالى 800 ألف، المسيحيون قرابة
8 إلى 10 ملايين مسيحى، والكل مواطنون مصريون، لهم حقوقهم، ومسؤولية الدولة الحفاظ
على أمنهم وسلامتهم، وغير مقبول، ونحن فى القرن الواحد والعشرين، أن يقسم المصريون
فى بلادهم على أساس الدين أو العقيدة، ولا يمكن لفئة محدودة، أن تعتقد أنها الفئة
الوحيدة المسلمة، دون ما عداها من المصريين.
هناك نحو 80 مليون مسلم فى مصر، وحوالى 10 مليون مسيحى،
وغير مقبول وغير مسموح، أن نفرق بين المسلم والمسيحى، وبالتالى غير مقبول وغير
مسموح، أن نفرق بين مسلم ومسلم، الدين علاقة بين الإنسان وربه، ولا توجد واسطة بين
الإنسان وربه، ولا يوجد على الأرض مسلم، ومسلم سوبر "جى إل إس".
كلنا مواطنون مصريون، وكل إنسان يعتنق الدين الذى
يقتنع به، لكن لا يمكن لأحد أن يستخدم الدين كميزة للوصول إلى السلطة.
السياسة فيها مناورات وصراعات ولا يوجد فيها صدق بنسبة
100%، وبالتالى غير مقبول أن ندخل شيئاً غير سليم، على عقيدة آتية من الرب، سواء
مسلمة أو مسيحية.
المشكلة الآن مع بعض تيارات الإسلام السياسى، أنها
تحاول الضغط على الشعب المصرى، من خلال التظاهرات والعمليات الإرهابية، ولم يحدث
على مدار التاريخ كله، أن نجحت قوة محدودة، فى فرض إرادتها على المصريين.
وهنا سأشير إلى كلمة قالها البابا تواضروس (بطريرك
الأقباط) فى أعقاب الإعتداء على المسيحيين، فى دور العبادة ومحاولة بعض المسلمين،
تأمين الكنائس، حيث رفض ذلك قائلا: "أنا أستطيع بناء الكنيسة ولكن لا أستيطع
أن أعيد روح إنسان يموت دفاعا عن كنيسة"
لا خصومة فى مصر، بين مصرى ومصرى، أو بين فئة أو أخرى،
ومن يريد أن يدخل فى العملية السياسية، أيا كان توجهه، أهلا به.
ـ بالنسبة للعلاقات بين مصر والولايات المتحدة، أنا لا
أعتبر أن هناك مشكلة بينهما لسبب بسيط، الولايات المتحدة على مدار 30 سنة تدعم مصر
بالمساعدات العسكرية، ولا يعنى تأخير تسليم دفعة مساعدات
أن ذلك بسبب مشكلة بينهما، قد يكون هناك تباين فى الرؤى، أو أن المعلومات تصل
بصورة غير سليمة فى بعض الأحيان للقيادة السياسية، غير أنه على أرض الواقع تكن مصر
للولايات المتحدة كل احترام وتقدير، ولا نستطيع أن ننسى دعم الولايات المتحدة لنا،
سواء فى معاهدة السلام مع إسرائيل، أو الدعم العسكرى خلال الثلاثين عاما الماضية.
ـ وفى النهاية أريد طمأنة العالم، بأن مصر إن شاء الله
خلال الفترة القادمة سوف تستقر، لأن شعبها شعب طيب لا يميل إلى العنف، وما حدث فى
الفترة الماضية، أن هناك عناصر شعرت أنها فقدت السلطة، ففعلت ما فعلت، ونحن لا
نغضب من أحد.
مصر أذرعها مفتوحة لجميع أبنائها باختلاف تياراتهم
وانتماءاتهم وديناتهم، ونحن لسنا قلقين على مصر فى الفترة القادمة. الشعب المصرى
طيب، ومحب للجميع، وغير معقول أنه يوجد فى مصر بين ثلاثة إلى أربعة ملايين سودانى،
وحوالى 200 ألف عراقى، ومن 300 إلى 400 ألف سورى، غير باقى الجنسيات الأخرى، يحتويهم
الشعب المصرى بكل حب وترحاب، وهو بالتالى لا يستطيع أن يرفض أحدا من أبنائه
المصريين.