أبدى الكثيرون
غضبهم الشديد من حلقة باسم يوسف الأخيرة من برنامج "البرنامج".
وبلغ الحماس بصحفية، أن أعلنت من قناة القاهرة والناس،
دعوة الكل للتوجه مساء الأربعاء الى مسرح سينما راديو، حيث يقوم باسم بتسجيل حلقات
برنامجه، والوقوف صفا واحدا أمام باب المسرح، لمنعه من الدخول ومن تسجيل برنامجه!
يعنى تقريبا، مثلما فعل حازم أبو اسماعيل وعصابته،
خارج مدينة الانتاج الاعلامى!
إسمحوا أن أناقش ـ باستفاضة ـ هذا الأمر لما له من
أهمية شديدة:
لقد حضرت ـ حتى الآن ـ البداية والنهاية لحكم أربعة
رؤساء لمصر: عبد الناصر، والسادات، ومبارك، ومرسى!
كانت كل النهايات تقريبا شديدة المأساوية، وإن اختلفت،
أما البدايات فلم تختلف واحدة منها عن الأخرى؛ كلها تواضع وأمل، والاستشهاد بـ (إن
وجدتمونى على باطل فقومونى..).. الخ.. الخ!
كانت هذه هى البدايات والنهايات، فماذا عما بينهما؟
أما عبد الناصر فقد قال له يوما محافظ بورسعيد فى
احتفال بعيد النصر سنة 1962: "لقد جاء موسى بالتوراة، وجاء عيسى بالانجيل،
وجاء محمد بالقرآن، وجئت أنت ياجمال بالميثاق!"
ونظرت الى عبد الناصر لأرى تأثير هذه العبارة عليه،
وكنت أقف قريبا منه للغاية، بحكم أنى كنت ضمن القوة المكلفة بتأمين المنصة التى
كان يجلس عليها هو وكبار الزوار، فوجدته يبتسم فى سعادة غامرة، بينما كنت أنا
منزعجا للغاية، من تشبيه الميثاق بالكتب السماوية.. الميثاق هو كتاب نسب الى عبد
الناصر وقيل أنه من تأليف هيكل!
وحينما بدأ السادات استخدام الاسلوب الدينى والآيات
القرآنية فى أحاديثه، تنافس المتنافسون فى استخدام نفس الأسلوب، ووصل الأمر الى أن
أحد الصحفيين كتب يقول أنه يرى فى السادات عدالة العمرين، ابن الخطاب وابن عبد
العزيز، وأنه يجب أن يطلق على السادات لقب "سادس الخلفاء الراشدين!"
وبدأ
المهللتية والمطبلتية عملهم كالمعتاد، وكنت ـ بالرغم من حبى الشديد للسادات ـ
أتمنى أن يطلب منهم أن يكفوا عن هذا العبث، إلا أنه لم يفعل!
وزاد الطين بلة، أحد أشهر الدعاة الاسلاميين حينما
خاطب السادات ببيت من شعر ابن هانئ الأندلسي يقول
فيه:
ما شئت لا ما شاءت الاقدار ..
فإحكم فأنت الواحد القهار!
أما مبارك فلم يخل أى احتفال حضره
لتخريج دفعة من طلبة الكليات العسكرية من كتابة (مصر .. مبارك) على أرض طابور
العرض، بواسطة تشكيلات عسكرية من أجساد الطلبة الخريجين؛ وحينما كان يتم ذلك، كان
المشير طنطاوى ينظر بفخر شديد الى مبارك، الذى كان يبتسم فى سعادة غامرة، ويصفق
الاثنان بحرارة شديدة؛ متجاهلين أن المعنى الوحيد لهاتين الكلمتين (مصر .. مبارك)
هو أن مصر أصبحت ملكية خاصة لمبارك!
والآن جاء دور السيسى، الذى قال منذ بضعة أيام تعقيبا على حلقة باسم
يوسف الأخيرة أنه ليس لديه أى
اعتراض على باسم، وأن كل انسان حر فى انتقاد من يشاء، وأن علينا أن نتقبل النقد
بصدر رحب، ولا نضع أى قيود على حرية الرأى، وألا نعترض على حب الشعب المصري
للمرح..
وأنا أرى أن السيسى لو استمر على هذا الرأى وهذا
المنطق ـ بعد فوزه المتوقع برئاسة الجمهورية ـ فسوف يكون رئيسا عظيما لمصر!
وأرى أيضا ـ بالرغم من الحب
والاعجاب الجارف للسيسى ـ أن من حقى ومن حق أى انسان أن نوجه له ما شئنا من النقد،
اذا كنا نحبه حبا صادقا!
واذا كنا نتمنى الخير لمصر
وللسيسي، فيجب أن نحميه من بطانة السوء، ومن المهللتية والمطبلتية، وألا تغيب عنا أبدا الحكمة التى تقول:
الدكتاتور لا يصنع نفسه.. وإنما
شعبه هو الذى يصنعه!